العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. ورطة تمرد

يمنات

احمد سيف حاشد

كنت على الدوام أشعر بقلق و رعب شديد من العقاب .. الخوف كان يتملكني .. سلطة الخوف كانت لها وطأتها على نفسيتي .. لم يكن هناك مكان لصنع القناعات الذي يؤسسها الوعي لا في البيت و لا في المدرسة .. مدرسة العقاب كانت هي من تحكمنا و لها الكلمة العليا .. كانت أو تكاد تكون مدرسة بصلاحية عقاب مطلقة .. لا يمكن للأب أن يقول للأستاذ أرفق بابني عند العقاب، بل كان الأب هو من يحث و يشجع الأستاذ على عقاب ابنه، و أكثر من ذلك يفوضه بمزيد من الشدة و الحزم .. كان الأب يستريح و يشعر بالامتنان للمعلم إذا أنزل بابنه عقوبة مهما كانت شديدة و مؤلمة .. وضع ربما يشعرك و كأن سادية نحوك قد اجتمعت من الطرفين .. تجد نفسك محشورا بينهما في زاوية ضيقة، لا مهرب أمامك و لا مفر..

كنّا محكومين بسلطة الخوف من الأب و من الاستاذ .. كنت نحيلا و منهك الجسد .. كان وجهي غارقا في الشحوب .. لازلت أذكر أن بعض التقاطيع التي يفترض أن تأتي في وقت متأخر من العمر كانت قد غزت وجهي في طفولتي الباكرة .. لازلت أذكر الخطوط العمودية بين العينين و هي تفترس وجه الطفولة بوحشية ..  كنت أحس إن عقوبات الأستاذ قاسية و منفرة و غير إنسانية، و مؤلمة للجسد و الروح..!

في إحدى الأيام تأخرت عن طابور الصباح، و خشية من العقوبة ذهبت إلى حجرة مهجور فوق اصطبل بقرة جارنا مانع سعيد بدلاً من أن أذهب إلى المدرسة..

كانت الحُجرة بمثابة نُزُل مخصص لاستقبال الغرباء عند اللزوم و الذين يقضون فيها يوما واحدا أو يومين إن طال المقام، فيما كانت أغلب الأحيان تظل فارغة لأسابيع دون نزيل أو أنيس.

و لكي لا أتعرض للعقاب في اليوم التالي نظراً لتغيبي عن حضور اليوم السابق اضطررت لتكرار خطئي، ذهبتُ إلى نفس الحُجرة، و تكرر الأمر في اليوم الثالث و الرابع .. إنه الهروب إلى الأمام .. إنه هروب يشبه ذلك الهروب الذي ذهبت إليه الجماعات و الاحزاب و القوى السياسية التي نكبت الوطن .. قياس مع الفارق..

أنا شعرت أن ورطتي تتعاظم و تتسع، فكلّما زاد تغيُّبي كلما اعترتني خشية أكبر من عقوبة أشد إيلاماً حتى تبدت لي في اليوم الرابع أنها ستفوق التوقع و الخيال، و بالتالي أحسست ألا حيلة سوى المواجهة إذا ما أنكشف أمري .. فيما القوى السياسية و الأحزاب الدينية و إلى اليوم لازالت تمعن في جلب مزيد من الجحيم للوطن، رغم الكلفة و الجحيم الذي يتبدّى لها كل يوم، و الذي يهدد في الصميم الوطن، في وحدته و استقلاله و سلامة أراضيه و مستقبله..

كنت قرابة ست ساعات يوميا أقضيها في تلك الحُجرة المهجورة، مملة و رتيبة إلى أقصى الحدود، لكنها أقل وطأة من وجهة نظري من عقاب يفوق الاحتمال أشعر أنه نازل لا محالة .. كنت أحاول أن أخفف من وطأة رتابة تلك الساعات بالنظر من نافذة الغرفة إلى الفضاء المقابل .. الوادي و الذاهبين و الآيبين فيه، و كلما سمعت صوت في الجوار انتفض مرتاباً لأرقب من شقوق الباب ماذا يُدبر بالخارج و كلي توجس و قلق أحياناً، و فضول و شغف في أحايين أخرى.

في اليوم الخامس انكشف أمري و فضحني السؤال، حيث سمعت (الأستاذ) يسأل والدي عن سبب غيابي. فأجابه والدي أنني أذهب كل يوم للمدرسة، فهرعت إلى المدرسة و أدركت حينها أن الفأس قد أصاب الرأس و أن أمري انكشف، و لابد أن أستعد لدفع ثمن باهض و دفعة واحدة.

***

يتبع..

تعذيب في المدرسة

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى